
لا تنسى أننا نفترض .. !
هو الان يستمتع بغرفته الجديده ذات الحوائط الدائريه ، التى ترتفع بأمتار عده الى اعلى حتى انه لا يعلم ما لون سقفها ،هناك كرسى ذو طراز غربى يستقر بجانب اباجورة ، تعتلى طاوله صغيره لها ثلات قوائم ، تقابلها مكتبه ، تزدحم بكتب لها ترتيب عشوائى ،
- - هو انت بتسوق من كتير
- - من اولى كليه ، بس صدقينى الزحمه هيا اللى مأخرانا
ا- انا بتكلم عن الطيارات !
- - احنا قربنا من الحى القديم ، تحبى تنزلى فين ؟
يأتى هذا السؤال فى وقت غير مناسب ، انتى لا تعلمين شيئاً عن هذا المكان سوى أسمه ،اعلم انكِ نشأتى هنا ، ولكن لا تألفين ايا من هذه الابنيه العاليه التى تحجب هواء السحب ناهيكِ عن ضوء الشمس ، يستمتع به الساكنون ويحرم منه المارون أحساسكِ بالغربه يجعلك تلفتين كثيراً ، هل تعتقدين انه سيأتى كلما نظرتى فى اتجاه مختلف ؟
الاماكن لا تشعركِ بالانتماء ، بل الاشخاص
البشر اكثر انتماءً من البيوت
أقبل دعوتك الصامته بأن نترجل من السياره ونكمل ما تبقى من امتار على أرجلنا ، الان تقبضين على يدى بكلتا يديكِ ، وينحرف جسمك اثناء المشى بزاويه صغيره ، تسمح لكى بمشاهده ممتعه خاليه من القلق ، لأنكِ الى حد ما ترين كل ما يدور حولك ، نقف امام بيت قديم يتوسط مبانى زجاجيه عملاقه ، يبدوا انه لم يستدل على مُلاكه ، حتى الان .
هاهى الذكريات تأتى تباعاً ، تلعبين عند الشجره التى كانت تستند على السور الخشبى القصير ، الذى يمتد بطول عرض الحديقه يتوسطه باب عتيق بنقوش ذات طابع يونانى قديم ، تتناثر هنا و هناك بعض الشجيرات الصغيره ، التى تتدرج فى الطول بنظام ليس له طابع خاص ، تعلمين ان شخص ما حرص على وضعها بهذا الشكل ، يتوسطها ممر ضخرى يصل بين باب الحديقه وباب المنزل ، الذى يتكون من طابقين .
فيما مضى ، اعتدنا ان نتسلق تلك الشجرة ، كنا نأمل ان نصل فى يوم ما الى قمتها ولكن هذا اليوم لم يأت ، بعد .
نعم ، يجب ان تسألى نفسك هذا السؤال ، هل تجرئين على المرور من خلال هذه البوابة الخشبية ، والدخول فى غمار مغامرة اخرى داخل هذا البيت ؟
تعزفين على أوتار القلق بقطع من الشك و التردد ، يأتى صوت النغمات .. مصحوباً بالفضول والقليل من السعادة ، يتناسق انقطاع هذا العزف مع زحزحة الباب الخارجى للمنزل ، واطلاطة شبح يرتدى قطعاً مهترئه من القماش ، يرانا فيختفى كأنة لم يكن .
لا تقلقى ، أتذكرين .. لقد تعودنا رؤية هذا الشبح .. يجلس على قمة الشجرة ، يلهو على السور الخشبى ، يمر على احدى زجاجات النبيذ الفارغة .
الشبح .. القناعة الوحيدة التى تجعلنا نـُقبل على المنزل من جديد ،
الاشباح اكثر انتماءً من الاشجار .
داخل المنزل ، يقابلنا سلم رخامى ذو شكل دائرى ، يفضى الى الغرف السبع التى يحتويها الدور الثانى ، على يسار القادم من الباب يجد "بيانو" خشبى ذو طابع حديث يبدو كأنة أدخل على المكان ، تنتشر بعض قطع الاثاث عند أطراف البهو الواسع الذى يأخذ نصف مساحة الدور الأرضى ، ويتوزع النصف الاخر بين مساحتين مهملتين ، يتوسط احدهما فتحة داخل الجدار ، تفضى الى سلم هابط نحو قبو المنزل .
" الاستمرار فى جمع الذكريات ينفعنا ، نحن الذين بتنا لا نشعر بالحياة الا من خلال تفاصيل الاشياء ، التى كنا نعتقد فيما مضى انها ملاذنا الاخير للدخول فى عالم الاحياء .. لكن الواقع يدفعنا للوقوف عند حدود العقل ، ويطرح علينا ذلك السؤال السرمدى ، هل انت قادر على العبور ؟ "
انا اعلم كما تعلمين انتى تماما ، ان هذا السلم ليس الا ممر وهمى . يقال ان القبو هو المكان المناسب للأثاث القديم و المقتنيات التى لم تعد ذات فائدة ترجى ، القبو هو ايضا الحل المناسب "المؤقت" لاخفاء بعض الجثث .
داخل القبو ، لا نستطيع ان نرى شكل مميز للمكان ، فالمساحه تتغير بحسب حجم المكونات ، كما السقف يعلو ثم يهبط ، الارض تتمدد ، لتنكمش تحت اقدامنا ، كل شئ يموج حول نقطة مركزية .
رائحة عطنة تملأ المكان ، لا مكان للهواء ، ذكريات رماديه محطمه مهمله ، تنطبع على المكان فيأخذ روحها و رائحتها ، فينبعث فى المكان لون من الكآبه .
هنا ، تنتهى هذه الجوله ، قد كانت ممتعه بحق ، ارجوك ابتعدى عن الصدمات النفسية ، لا تحاولى الانتحار مرة اخرى ، لا توجد اسباب منطقيه اكثر من تلك الى تدفعنا لقتل انفسنا ، ولكن الحياة تتطلب بعض التهور واللامنطقيه .
لا تنسى اننا نفترض ، لذلك تأكدى بأن علاجك يبدأ بافتراض الشفاء .